ألفت الدبعي: الرمزية والقضية والموقف

طاهر شمسان

من الناحية النظرية معروف لكل مختص ولكل مطلع ولكل مهتم أن قانون الجوازات اليمني رقم (7) لسنة (1990) يساوي بين الرجال والنساء في حق الحصول على جواز سفر دونما أي تمييز، ووفقا لهذا القانون بمقدور أي امرأة بلغت سنَّ الرشد وترغب في السفر إلى خارج البلاد أن تتقدم إلى مصلحة الجوازات أو إلى أيٍ من فروعها للحصول على جواز باعتبارها مواطنا كامل الأهلية مثلها مثل الرجل.
أما على صعيد الممارسة فالأمر مختلف جدا وفيه قدر كبير من التمييز بين الرجال والنساء بسبب الثقافة الذكورية السائدة وركام التخلف الذي يغشى تفاصيل حياتنا كأفراد وجماعات وكمجتمع. وقد سمعنا وقرأنا عن أستاذة جامعية مُنِعتْ من دخول ورشة لإصلاح عطل في سيارتها وسط العاصمة صنعاء بحجة أنها بلا محرم. ومظاهر التمييز-التي من هذا القبيل-ضد المرأة كثيرة، ولا توجد فوارق جوهرية من هذه الناحية بين المناطق التي تدار من صنعاء وتلك التي تدار من عدن. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لدخول ورشة إصلاح سيارات أو مطعم أو كافيه أو فندق للمبيت أو مستشفى للعلاج أو السفر من محافظة إلى أخرى في الوطن أو من مديرية إلى أخرى داخل المحافظة الواحدة ….الخ فما بالكم عندما يتعلق الأمر بجواز للسفر خارج البلاد؟ بغير شك التمييز في هذه الحالة كبير والتخلف المساند له أكبر. فالرجل يحصل على الجواز بسهولة حتى وإن كان أمياً لا يعرف كيف يكتب اسمه، بينما على المرأة أن تأتي بمحرم حتى وإن كانت قاضياً يفصل في المنازعات بين الرجال في المحاكم أو محامياً يترافع عنهم في ساحة القضاء، أو أستاذا جامعياً يقدم المعارف لمن سيحملون رايات مستقبل الوطن، أو طبيبا يداوي الباحثين عن الشفاء من الأمراض، ولا مانع بعد ذلك أن يكون هذا المحرم هو ابنها الذي تنفق عليه وتكدح من أجل تنشئته وتعليمه أو أخاها الأصغر الذي يعتمد عليها في حاضره كي يتمكن من العبور إلى المستقبل!!!
إن الثقافة الذكورية والتخلف عموما-وليس الدستور ولا القانون-هو الذي يميز بين الرجال والنساء في حق الحصول على جواز سفر. وجزء كبير من معركتنا في مناطق سيطرة الحوثي ومناطق سيطرة الشرعية هو أساسا مع التخلف. والثقافة الذكورية التي تحرِّض عبد الله العديني ضد المرأة في تعز هي نفسها الثقافة التي تسببت في مأساة انتصار الحمادي في صنعاء. ولمواجهة التخلف نحن بحاجة إلى نضال مدني واعٍ يتبنى قضايا الحقوق والحريات وينتصر لها في إطار الدستور والقانون ومن خلال الاحتجاجات الجماعية السلمية التي من شأنها الضغط على أصحاب القرار. وهذا النوع من الاحتجاجات بحاجة إلى طليعة مسلحة بالوعي القانوني وممتلئة بروح المواطنة وبثقافة الدولة، وهذا بالتحديد ما فعلته ألفت الدبعي.
وبعجالة شديدة: ألفت الدبعي هي أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، وهي عضو مؤتمر الحوار الوطني، وعضو لجنة صياغة الدستور، وعضو هيئة التشاور والمصالحة، وقد نشأت وتربت في أسرة جمعت بين الثراء المادي وروح المحافظة المتوازنة برعاية أب عصامي حاضر بمهابة في تفاصيل حياة ابنته دون أن يصادر شخصيتها وفرادتها، فهو صديقها الصدوق ولكن دون أن ينسى للحظة واحدة أنه أبوها. وألفت كانت لسنوات عضوا قياديا في حزب التجمع اليمني للإصلاح ثم اختارت بوعي أن تستقيل من هذا الحزب لتصبح شخصية عامة تقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب وتحتفظ بعلاقات طيبة مع كل المكونات السياسية في اليمن.
وفيما يتعلق بحق النساء اليمنيات في الحصول على جواز سفر تصرفت ألفت الدبعي في إطار الدستور والقانون حيث ناصرت بقوة حملة “جوازي بلا وصاية” التي أسسها المحامي ياسر المليكي الذي استشعر معاناة المرأة اليمنية من خلال خبرته المهنية كمحامٍ، وشارك معه في التأسيس مجموعة من الناشطات اللواتي وقفن معه أمام مصلحة الجوازات في مدينة تعز ورفعن لافتة مكتوباً عليها “جوازي بلا وصاية”. وعلى إثر ذلك سارع رئيس الحكومة معين عبد الملك إلى طلب الفتوى القانونية من الوزارة المختصة، وبالفعل جاءت الفتوى تؤيد حملة “جوازي بلا وصاية” وتؤكد صراحة على أن هناك تمييزا تعسفيا ضد النساء في مصلحة الجوازات وفروعها مخالفا للدستور وللقانون. وبناء على ذلك صدر توجيه رئيس الحكومة إلى وزير الداخلية بالعمل وفقا للقانون، ومن جانبه وجه وزير الداخلية مصلحة الجوازات وجميع فروعها أن تلتزم بالقانون وأن تلغي كل الاشتراطات التي ليس لها وجود في قانون الجوازات وتمكين المرأة من حقها القانوني في الحصول على جواز السفر دون وصاية من أحد.
لقد ناصرت ألفت الدبعي ودعمت حق المرأة اليمنية في الحصول على جواز سفر دون وصاية من أحد، وهذا أمر طبيعي لا يجب أن يكون محل استغراب من أحد في هذا العصر. والمستغرب أن تكون المرأة حتى الآن منتقصة الحقوق إلى درجة لا تستطيع معها الحصول بحرية على جواز سفر. لكن الأكثر غرابة أن يأتي الاعتراض -وبطريقة سوقية-على حملة “جوازي بلا وصاية” من شخص يحمل لقبا أكاديميا عاليا ويقدم نفسه منذ سنوات على أنه إنسان مستنير ومشبع بالثقافة المدنية وبثقافة الدولة وأنه عضو أعلى هيئة قيادية في المؤتمر الشعبي العام، وبدلا من أن يتوجه بالشكر لرئيس الحكومة لسرعة تجاوبه مع حملة “جوازي بلا وصاية” ذهب يمارس السَّب والقذف والتشهير ضد ألفت الدبعي، وإلى حد ما ضد رئيس الحكومة.
الكلام-للأسف الشديد-يدور حول الدكتور عادل عبده قاسم الشجاع على خلفية مقال كتبه ونشره في صفحته على فيسبوك بعنوان “جوازي بلا وصاية مقدمة للمطالبة بالحرية المثلية في اليمن” قال في مطلعه: (قبل ثلاثة أشهر وبدون مقدمات استأجرت امرأة متقلبة الأطوار سبع نساء وذهبت بهن إلى أمام جوازات تعز ورفعن لافتات كتب عليها “جوازي بلا وصاية”. وبسرعة البرق وعلى الطرف الآخر أصدر رئيس الوزراء معين عبد الملك توجيهاته بمنح النساء جوازات بدون العودة إلى آبائهن أو أزواجهن، وصورت المسألة وكأن المرأة اليمنية ممنوعة من الحصول على جواز سفر، مع العلم أن ملايين النساء اليمنيات لديهن جوازات سفر ويسافرن مع أسرهن وبدون أسرهن وألفت الدبعي واحدة من اللاتي تسافر خارج اليمن وتحضر مؤتمرات واجتماعات مشبوهة بدون مرافق)، ثم ذهب أخونا هذا يكرس بقية مقاله الطافح بالشتائم لإضفاء المصداقية على كلامه المجانب تماما للحقيقة، وفيما يلي نقتبس القليل القليل مما قاله في هذا السياق:
(لا أظن أن أحدا يجهل الحملة العالمية الممنهجة والتي تتزعمها إسرائيل لدعم مجتمع “الميم” أي المثليين)+ (وكما قلت هناك ضغوط على الدول العربية للقبول بمجتمع “الميم” أي القبول باللواط والسحاقيات)+ (وألفت الدبعي واحدة من الناشطات اللاتي يتاجرن بقضية المرأة ويعبثن بالنساء وتحويلهن لأداة ابتزاز رخيصة. وقضية “جوازي بلا وصاية” ما هي إلا بمثابة جس نبض للرأي العام)+ (نأتي الآن إلى من يقف وراء مجتمع “الميم” الذي تخطط له ألفت الدبعي ومعين عبد الملك، وهي تستأجر من يرفع اللافتات وهو يصدر توجيهات).
واضح أننا ليس أمام مقال من مقالات التعبير عن الرأي وإنما أمام محض سبٍ وقذفٍ وتشهير في حق شخصية عامة محترمة هي الدكتورة ألفت الدبعي دون أن نعثر على ما يبرر للأخ عادل الشجاع الإقدام على كل هذا القبح، وبخاصة أنه صادر عن أستاذ جامعي يسعى منذ سنوات طويلة لأن يكون صاحب حضور لافت في الشأن العام. ولكن لماذا ظهر معين عبد الملك إلى جانب ألفت الدبعي في المقال المذكور على أنه يخطط لمجتمع “الميم” ويصدر التوجيهات من موقعه كرئيس للحكومة؟ الحقيقة أنا لست معنيا بالرد على هذا السؤال دفاعا عن معين وإنما للدفاع عن حق القارئ اللبيب في معرفة الحقيقة الكامنة خلف مقال الأخ عادل الشجاع أصلحه الله وأخذ بيده إلى ما فيه صلاح محبيه والمعجبين به ممن يحرقون له البخور جهلا أو نفاقا أو من باب “طلبة الله”. وردنا على السؤال المذكور سيأتي تباعا في السياق.
في مواجهة السَّب والقذف والتشهير لم تنجر ألفت الدبعي إلى ما يجعل الأمر مهاترة أو يجعلها في موقف الدفاع عن شخصها وإنما ذهبت تقدم المثال الحي بضرورة الدولة في مواجهة الخروج على قيم التعايش المجتمعي وعلى حق الأفراد في حماية أعراضهم من أي خدش أو تعدي، وعلى هذا الأساس لجأت إلى القضاء المختص بمكان وقوع الفعل الجنائي وإقامة الجاني، وهذا أمر يفهمه جيدا طلاب سنة أولى حقوق، لكنه لم يكن حاضراً في وعي وحسابات أخينا الدكتور عادل الشجاع الذي اعتقد أن مدينة القاهرة مكان آمن لممارسة السَّب والقذف والتشهير لمجرد أن الجاني والمجني عليه ليسا من مواطني الدولة المصرية.
وفي أول رد فعل حسن النية على لجوء ألفت الدبعي إلى القضاء المصري تواصل معها بعض الأسماء المعروفة في مسعى حميد منها للتوسط بينها وبين الأخ عادل الشجاع، على أن يقدم هذا الأخير اعتذارا معلنا أمام الرأي العام مقابل أن تعفو هي عنه وتسحب ملف القضية من النيابة المختصة. وبينما أفلح الوسطاء مع ألفت فشلوا في إقناع الشجاع فاعتقدوا خطأً أنه رجل عنيد أخذته العزة بالإثم. وهنا لابد لي من إبداء ملاحظتين الأولى تخص الوسطاء والثانية تخص الأخ الشجاع:
(1) ملاحظتي على الوسطاء أنهم نظروا إلى القضية على أنها صراع بين شخصين وليس صراعا بين اتجاهين في التفكير ينتمي أحدهما إلى العصر ويدافع عن الحقوق والحريات ويحاول أن يرفع سقفها حتى ولو كان الثمن الكثير من الشائعات والكثير من الضوضاء في مجتمع ذكوري معاد لقضايا النساء، بينما الطرف الآخر-والحكم عليه هنا من ظاهر مقاله-يمثل اتجاها تقليديا ينتمي لثقافة التخلف وينصب نفسه صوتا لها بذرائع ودوافع رأينا كم هي متهافتة.
2-وملاحظتي على الأخ عادل الشجاع أن علاقته بالمقال المذكور أعلاه-إذا جاز أن نسميه مقالا-هي علاقة أجير بعمل قام بإنجازه لصالح صاحب العمل-وليس بدافع الغيرة على قيم المجتمع كما قال هو وصدقه البعض-ولذلك ليس لعادل سوى الأجر مقابل العمل، أما العمل نفسه فقد أصبح ملكا للغير. وهذا يفسر لماذا رفض عادل مساعي الوساطة وهي لصالحه. باختصار شديد: إن مطالبة الأخ عادل الشجاع بالاعتذار معناه مطالبته بالتخلي عن مصدر دخل يبدو أنه أصبح المصدر الوحيد بعد أن دمَّرَ علاقاته مع كل الناس الذين بمقدورهم تقديم العون له. وإني حين أبدي ملاحظتي هذه لم أبدها من فراغ وإنما من التجوال في صفحته على فيسبوك.
في الوقت الذي قدَّمت فيه ألفت الدبعي أنموذجاً متحضرا في سلوك الطريق القويم لأخذ الحقوق ورفع الوعي القانوني من خلال لجوئها إلى القضاء ذهب الأخ عادل الشجاع-ردا على ذلك-يكتب مقالا ثانيا زاد فيه الطين بلة. وفيما يلي تفنيدنا للمقال الثاني حتى يكون القارئ اللبيب على بينة من الأمر أكثر وأكثر:
1-عنوان المقال: (قضيتي مع رشاد العليمي وآل جابر ومعين وليست مع ألفت الدبعي).
أولا: إذا كانت قضيتك مع هؤلاء يا أخ عادل فلماذا تركتهم وذهبتَ تتعرض لألفت الدبعي بالسَّب والقذف والتشهير؟ ولماذا لم تعتذر لها عندما طُلبَ منك ذلك؟ لماذا لم تعلن أنك فيما قلته عن ألفت الدبعي قد وقعتَ فيما لا يجب أن يقع فيه أي إنسان مستقيم لديه الحد الأدنى من السَّوية واحترام الذات؟
ثانيا: إذا كانت لديك قضية موضوعية مع هؤلاء الثلاثة الذين ذكرتهم ولها وجاهة قانونية فما هي هذه القضية تحديدا؟ وأين هو دفاعك المدني المتسق مع موضوعيتها ووجاهتها القانونية؟ ألا ترى أنك أمام أسئلة من هذا القبيل إنسان بلا قضية، وأن القارئ اللبيب لا يحتاج إلى ذكاء استثنائي كي يدرك أنك فيما تقوله عن هؤلاء لا تمثل نفسك وإنما أنت مجرد “شاقي” عند شخص آخر يأكل الثوم بفمك، وأن هذا الشخص من هوامير الفساد الكبير جدا وله مع معين وآل جابر خلافات حول مصالح كبيرة غير مشروعة؟
2-جاء في المقال: (الموضوع ليس دعوى قضائية، بل هي حملة تشهير واغتيال معنوي ممنهج وتحريض على ملاحقتي ومحاكمتي).
أولا: الاغتيال المعنوي يا أخ عادل لا يكون باللجوء إلى القضاء وإنما باللجوء إلى السَّب والقذف والتشهير والإساءة إلى أعراض الآخرين، وكل هذا صدر عنك لاعتقادك أن التشهير بامرأة محترمة في مجتمع ذكوري سوف يصيبها في مقتل، لكنك تفاجأتَ بامرأة قوية لديها وعي مدني عال وتعرف كيف تقتص ممن يسيء إليها.
ثانيا: حين ذهبت ألفت الدبعي إلى القضاء فإنها بها تكون قد تصرفت كما يتصرف أي إنسان عصري يحمل قيماً مدنية ويؤمن بالقانون وينتمي إلى فكر الدولة، وإذا كان هذا التصرف يقلقك فلأنك تعلم حجم القبح في الفعل الجنائي الذي وقع منك، ومن غير المستبعد أنك قد ذهبت إلى محامٍ تسأل عن حجم العقاب الذي ينتظرك.
3-جاء في المقال: (المسألة تتعلق بترهيبي وإسكات صوتي المطالب بالتعاقد مع شركة تدقيق عالمية للتدقيق في الأموال التي يدعي محمد آل جابر أنه أنفقها في إعمار اليمن، وكذلك التدقيق في الفساد الذي تمارسه حكومة معين عبد الملك).
أولا: واضح من هذا الكلام أنك يا أخ عادل تدعي البطولة وتخلط الأوراق وتستجدي التضامن، وكل هذا من أجل إخفاء هامور الفساد الذي يأكل الثوم بفمك.
ثانيا: الذي نعلمه أن الترهيب وإسكات الأصوات القوية والمؤثرة لا يكون باللجوء إلى القضاء وإنما باللجوء إلى العنف والتهديد بالقتل في أحسن الأحوال. أما اللجوء إلى القضاء فلا يكون إلا لإسكات الأصوات الضعيفة التي تنتهك أعراض الناس وتخدش الذوق العام.
ثالثا: سبق وأن سألنا: لماذا ظهر معين عبد الملك في مقال الأخ عادل على أنه يخطط لمجتمع “الميم” ويصدر التوجيهات من موقعه كرئيس للحكومة. وقلنا إن الجواب سيأتي تباعا في السياق. وها نحن الآن بصدد إعطاء الجواب:
يقول الأخ عادل-مُهَدِداً ومتوعداً-إنه “يطالب بالتعاقد مع شركة تدقيق عالمية للتدقيق في الأموال التي يدعي محمد آل جابر أنه أنفقها في إعمار اليمن، وكذلك التدقيق في الفساد الذي تمارسه حكومة معين عبد الملك”. وهنا نطرح على الأخ عادل الشجاع ثلاثة أسئلة مفتاحية:
(1) من هي الجهة التي تطالبها بالتعاقد مع شركة تدقيق عالمية للتدقيق في الأموال التي يدعي محمد آل جابر أنه أنفقها في إعمار اليمن؟ (2) ما هي الصفة التي تخولك القيام بهذه المطالبة التي من الواضح أنها تنطوي على تهديد ووعيد (3) هل فكرت بملايين الدولارات التي يجب دفعها مقابل أتعاب للشركة التي تطالب بالتعاقد معها؟
بمقدور القارئ أن يلاحظ الآن أن صاحب التهديد والوعيد ليس الأخ عادل الشجاع وإنما شخص آخر يأكل الثوم بفم عادل بمقابل وليس بالمجان، وأن لهذا الشخص خلافات حول مصالح كبيرة غير مشروعة مع آل جابر ومعين عبد الملك، وبسبب هذه الخلافات جرى-من باب المناكفات والمكايدات وتشويه السمعة-اتهام معين عبد الملك أنه يخطط لمجتمع “الميم” ويصدر التوجيهات من موقعه كرئيس للحكومة.
إن مجتمع “الميم” هو قصة مختلقة من وحي الخيال المريض لعادل الشجاع الذي استثمر نجاح حملة “جوازي بلا وصاية” لإخراجها من مسارها القانوني إلى مسار آخر مصادم لقيم المجتمع اليمني بغرض تشويه سمعة رئيس الوزراء في إطار الصراع بين هوامير الفساد. أما اقحام الفت الدبعي فهو اجتهاد غير موفق من عادل اعتقادا منه أن ذلك سيضفي على القصة المختلقة نوعا من المقبولية المنطقية لدي الرأي العام. والحقيقة أن عادل باختلاق هذه القصة قد أساء لولي نعمته أكثر مما أساء لمعين وألفت، وهذا ما ستكشف عنه الأيام.
4-جاء في المقال: (السؤال موجه إلى رشاد العليمي: كيف تسمح لمن يدعي أنه مستشارك، وهو بنفس الوقت عضو في مجلس المصالحة يتقاضى أموالا من رصيد الفقراء والجرحى ومرتبات المدنيين والعسكريين لملاحقة مواطن ليس لديه مكان إقامة، مشرد ومحروم من وطنه وحقه في الحياة والأمن والاستقرار، وتريدون أيضا إعدامه سياسيا، إما أن يقبل بالكفيل أو يتم تدميره وتدمير أسرته).
أولا: لم تقل ألفت الدفعي يوما ما أنها مستشار لرشاد العليمي، وعادل الشجاع هنا يقوِّلها كلاما لم تقله.
ثانيا: يدعي عادل الشجاع أن ألفت الدبعي تتقاضى أموالا غير مشروعة لملاحقته. وهذه إساءة تستطيع ألفت أن توثقها وأن تضيفها إلى ملف القضية إلى جانب إساءات أخرى كثيرة تضمنها المقال الثاني لعادل الشجاع، وعلى هذا الأخير أن يثبت ما يدعيه أو يستعد لما ستقوله العدالة.
ثالثا: معروف للقاصي والداني أن ألفت الدبعي من أسرة ثرية لا تحتاج إلى أموال من أحد كي تذهب إلى القاهرة لمقاضاة عادل الشجاع، وهي تنفق على هذه القضية من حر مال أَبٍ فذ ومستنير يدرك أهمية الدور الذي تقوم بها ابنته ويساندها بقوة، ولو أن معظم الآباء مثل هذا الدبعي لكان لدينا حراك نسوي قوي ومنظم يحسب له ألف حساب ولا يستطيع معه أي كان أن يستسهل الإساءة إلى أي امرأة.
رابعا: لم تدخل ألفت الدبعي المعترك السياسي العام بدافع التكسب من بيع المواقف-فهي ليست بحاجة إلى أحد-وإنما دخلته كإنسان مدني ومثقف عضوي ينتمي إلى مجتمعه ويعرف دوره الاجتماعي ويشعر بالمسئولية وبواجب المشاركة. وألفت أستاذ علم اجتماع يعلم جيدا أن تغيير المجتمع وتحديثه لا يمكن أن يحدث بالتمنيات وإنما بالعمل أي كانت الكلفة.
خامسا: عادل الشجاع ليس مشردا من وطنه ومثله الألاف ممن تركوا اليمن للحوثي واختاروا حياة الدعة في القاهرة والرياض واستنبول. وإذا جاز أن نتحدث عن مشردين فهم يعدون بأصابع اليد وعلى رأسهم حميد الأحمر وعلي محسن الأحمر والزنداني وغيرهم من مراكز القوى التي ظلت لعقود تعيق بناء دولة يمنية لكل مواطنيها، وها هم الآن يدفعون ثمن ما اقترفت أيديهم.
6-جاء في المقال: (لا تهمني طريقة نهايتي، سواء كانت الفرم على طريقة خاشقجي أو السجن على طريقة يوسف عليه السلام. يكفي أني كنت أتعرض لذلك أمام صمت رئيس مجلس القيادة وتحريض من رئيس الحكومة وسفير قائدة التحالف). وسوف أترك التعليق على هذا الكلام للقارئ الذي لا شك أنه قد أصبح في الصورة ولم يعد بمقدور عادل الشجاع أن يمارس عليه الخداع.
وقبل أن أذهب إلى ختام هذا المقال أود التأكيد أنني في مساندتي لألفت الدبعي لم أساندها لشخصها وإنما للوعي الذي تمثله وتريد لنا جميعاً أن نصدر عنه ونتمثله في خلافاتنا واختلافاتنا حتى لا تتحول مجتمعاتنا إلى بيئة حاضنة للسفهاء، وحتى لا يظل السفهاء بمنأى عن سلطة القانون يرهبون من يشاؤون بالافتراء والأكاذيب والشتائم والبذاءات وتشويه الحقائق.
في مواجهة البذاءات تصرفت ألفت الدبعي كما هو متوقع من أي إنسان مدني في القرن الواحد والعشرين، وهي في هذا التصرف تدرك جيدا أنها تدفع كلفة تحول المثقف إلى رمز، وتدفع ثمن هذه الكلفة بشجاعة ووعي وتقدم أنموذجا راقيا في الترفع عن الصغائر والإصرار على احترام القانون ليكون وحده المعيار. ولا شك أن المعارف التي تتسلح بها ألفت والتنشئة الأسرية الواعية يحضران بقوة في تفسير الثبات الذي أبدته وهي تصر على تحكيم القانون وكسر حاجز الخوف من استغلال العادات والتقاليد ضد المرأة.
من مناصرتها لحملة “جوازي بلا وصاية” بدا واضحا أن الفت الدبعي تقرن القول بالعمل وتصنع رمزيتها بحكمة وكبرياء وتدرك أن التضحية صارت ضرورية لتمكين المرأة اليمنية من أن تكون مواطنا كامل الحقوق. ومن غير شك أن ألفت الدبعي قد نجحت في فضح النفاق الذي ينخر مجتمعنا اليمني، كما فضحت هشاشة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها المنظمات التي تأسست للاشتغال على قضايا المرأة.
إن مناصرة ألفت الدبعي فيما تتعرض له من سبٍ وقذف وتشهير هي مناصرة للمرأة اليمنية عموما، شريطة أن تكون مناصرة قانونية وليس لمجرد أنها امرأة فقط وإنما لأنها مواطن له صوت يجب الدفاع عنه عملا بحقوق المواطنة والمساواة. ومن الجدير في هذا السياق التأكيد على أن المرأة المنتظمة في حركة نسوية فاعلة ومتعاونة ومتعاضدة تستطيع أن تحدث التغيير الذي لم يقدر عليه الرجال سواء كانوا من المثقفين أو كانوا من مراكز القوى الاجتماعية أو من أولئك المحسوبين على السياسة في الأحزاب وخارجها. فوحدها المرأة من يجب الرهان عليها في تغيير واقعها من بوابة الدفاع عن حقوقها وعن مواطنتها المسلوبة وإزالة الانتقاص الدائم لحقوقها. فأين هي المنظمات النسوية؟ وأين هي دوائر المرأة في الأحزاب السياسية؟

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version