شعيب الأحمدي
تبدو السماء محجبة ببرِيقٍ -من نقاب مُطرز- بالغيم الأسود المصفوف بعضها فوق بعض، ورائحة الأرض هنا شبيه قلوب محرقة بالفُقد، فوق سطح أرصفة شوارع الموت، لا مطر عاطِر إلا بالدمع، الدماء، بالحرب.
منذ أيام أقصد الدهر البعيد، أي دهرًا شاردًا بين نقاط المسافات السماوية، والأرض الممزقة من حرب الساسة عتيّ، غيثُ جيبُ الناس، مسافرٍ عبر إبريق فصول الزمان المناخية.
-لقد تعبتُ ومللتُ من التجوال بين ازقة تعز المتعبة منذ يوم الحرب -بين شجرةٍ الرمان وشجرة الزقوم- المغروستين منذ أمدّ الاعوام، على جثة، فاتنة، رشيقة، كاهله السنين، وبعيده اسابيع التاريخ المتفرّق، في جنة يقال عنها يمنُ سعيد؛
-أمسك بيديّ البيضاء يا عبد الله؛ سنذهبُ خطوةً، خطوة نؤدي صلاة اليَتَمُ، معًا، من الأقدار، الحرب، الحصار، الفقر، الجوع، في جوامع شارع جمال.
بعد صلاة مغرب الأرق من يوم الجمعة، الساعة السادسة والربع من حزن الفُقد، بين صفوف المصلين، زهرة الثالوث المربع فوق الصدر، تركع تارةً مع قوة جمال الله أكبر، وتارة تصيحُ بطنها الصغير آه جوعٍ.
بين صفوف المصلين تقفُ طفلة منسية، في المساجد تدعو، وتهجو الأيام، بعيدة الراحة، لا أهل، لا أقارب، لا أصدقاء، مريضة الأحلام، يتيمة الأقدار الإلهيّة.
كانت غمامة اليَتَمُ صغيرة، في سِن الخامسة من تعبُ النُزوح، تقفُ المقام كفارسٍ مغوار، في الشطر الرابع من صلاة الإمام، يجوب ويصول نغمات صوتها الناعم الرقيق، بين صفوف المصلين، كسلطان جميلُ الكلام يُلفظ كلماتهُ الأخيرة، بعد صلاة الله واليَتَمُ معنا.
كانت تُمطِر عيناها الصغيرة جوعًا، وقلبها فقدًا، ولسانها كلماتِ يُتمٍ، وعيون المصلين مستقيمات في الصفوف تتهافتُ اليها، تتنافر حزناً وقهرًا، وحسبان الله كثيرة، وتفِروا آذانهم، قبل أرجلهم هروب الخروج، لكن صوتها كان يخترقهم ويعدهم في المال ومسحُ الرأس ولا حول إلا بالله القدير.