الرهانات الثلاث وقرار الوزير

عبدالرحمن سعيد فارع

في صالةِ كبار الضيوف داخِلَ مطار عدن، كانَ سلاماً أخيراً و عِناقاً حاراً بيني وبين أبي، انتهَى العِناقُ وأمي تُناظِرُ وتقولُ لوالدي: “سيذهبُ ابني ويعودُ وقد كسبَ الرهان”.. على خلفيةِ هذا الأخير قصةٌ لطيفة دارت أحداثُها في سيارتنا الخاصة وأنا أقِلُّ والدي إلى مقرِ عمله، في الطريقِ العام يُناظِرُ العظيم سعيد لولده الذي دخلَ مرحلةَ العشرينِ من عمرهِ ويقولُ له “آه يابطل سَتُغادرنا ولكن هذه المغادرة ليست كغيرها ياولدي؟، هذه مغادرة طويلة فيها مشوار طويل لكنني أريدُكَ أن تَعدَني بأنك ستواصلُ دراستكَ الجامعية، حتىَ سلكِ الدكتوراه، نعم هي الذي للأسف لم تتح الفرصة لي بذلك”، انتهى الحديثُ هنا ونزل الوالدُ من السيارة بابتسامتهِ المعتادةِ ليقول هذا ما أريده منك يابطلي.
أقلعتِ الطائرةُ ودخلتِ الأجواء السعودية وغيرها، أنا في مقعدي أُناظِرُ السُحبَ وأرى كلمة الرهان تتشكلُ طيلةَ الرحلة وكأنها تقولُ لي مازال النِقاشُ قائماً بين أبيك وأمك على هذا الرهان، آمالهمّا كبيرةٌ فيكَ فكن لها ياصاحبَ العزيمةِ والإصرار .
هيَ ساعاتٌ ليقولَ فيها الكابتن الفظيع الذي أمتعنا برحلةٍ مدهشة “حمداً لله على سلامتكم”، نعم قالها بصوتٍ رخيم لا تتوفرُ الإمكانيةُ في إعداداتِ الفيس حتى أقلدهُ 😊.
وصلتُ إلى وجهتي وأنا على يقين بأن ما قرأتهُ عنها وما خططتهُ سوفَ أُنفّذهُ بالحرفِ الواحد، بدأتُ بكافةِ الإجراءاتِ القانونية، أنهيتُ جميعَ أموري الخاصة، تسلحتُ بأدواتٍ مختلفة، تشملُ طرقً ومعارفَ متعددة حتى أستعدَ للانخراطِ بشكلٍ مباشرٍ مع معطياتِ المرحلةِ الاولىَ لي في المغرب.
جاءَ حينهاَ أستاذي وملهمي الدكتور عبدالحميد الصلوي عبدالحميد الصلوي والذي يشغلُ منصبَ الملحق الثقافي في سفارتنا بالرباط ليقولَ: “نثقُ بكم وبقدراتكم ونعلمُ جيداً بأنكم ستكونُونَ خيرَ سفراء ليمننا الحبيب في المملكة المغربية، موفقين في دراستكم وكان الله في عونكم”.
هذهِ الكلماتُ فقطّ كانت بمثابةِ وَقُود لمسارٍ طويل.
غداً هو أولُ يوماٍ لي في أعرقِ جامعةٍ عربية، نعم أعرقُ جامعةٍ جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، هذهِ الجامعةُ التيِ تخرجَ منها رمزُ الدولةِ المغربيةِ ورأس هرمِها جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
مرَ اليومُ الأولُ لي في الجامعة، وقد تشكلتْ فيهِ صورةً مبدئيّةً تَحملُ رويةَ أبي الذي أخبرني عن هذهِ الجامعة، وعن البروفيسور توفيق Gazoulit Taoufiqالعظيم، ولهذا الأخيرِ قصةٌ أسردهاَ في منشورا آخر إن شاء الله كردٍ لجزء من فضلهِ عليّ.
اليومُ الثاني والثالث والرابع وهكذاَ.. حتىَ انتهىَ عاميِ الأولُ وهوَ مُكللٌ بمسارٍ قائمٍ على أساسٍ قوي ولله الحمد، يستمرُ ذلكَ حتىَ جاَء العام الثاني وقد اتخذتُ فيهِ طريقاً جديداً كانت الكليةُ بعد الله عوناً وسنداً لي، فقدّ تمكنتُ حينهاَ مِن أنْ أُزاوجَ بينَ دراستي الجامعية من جهة، وبينَ ممارسةِ مهنةِ الشغف (صاحبةُ الجلالة) الإعلام، كانَ ذلك عبرَ التحاقِي بالشركةِ الوطنيةِ للاذاعةِ والتلفزةِ المغربية (SNRT) كمتدربٍ. طريقٌ لم يكنّ سهلاً لشابٍ يمني يَعرفُ بلدهُ حرباً ومأساةً هيَ الأفظعُ بحسبِ تقاريرِ الأمم المتحدة، لكنَّ أملاً كبيراً كان في هذا الشاب الذي بدأ مشوارهُ منذُ عامِ 2016 كناشطٍ مجتمعيٍ وحقوقي.
ماذا بعدَ هذا ياعبدالرحمن؟
بعدها جاءتِ السنةُ الثالثة، وقدّ راكمتُ تجربةً متواضعةً في العملِ السياسيِ في المغرب، هذهِ التجربةُ بالرغمِ من قصرها إلا أنني خُضتها بقلبٍ صلب، حيثُ قُمتُ بدراسةٍ ميدانيةٍ لبحث في سلكِ (الإجازة) تحتَ إشراف أستاذي هشام الإدريسي الذي قال لي “أُحييك علىَ هذاَ العملّ، وأشدُ على يديكَ بأنّ تواصلَ هذاَ المسارّ الذيِ نفتخرُ بهِ نحنُ بوصفنا أساتذةً لك، أشهرٌ قليلة وسوفَ تتخرجّ ياعبدالرحمن، أتذكرُ بدايتكَ وأنتَ وسطَ مئاتٍ من الطلبةِ والطالبات تجاوبُ بلغةٍ تشدُ بها المستمعَ بقوة، ألقاكَ في الماجستير ياعبدالرحمن إن شاء الله”.
ماذاَ بعدُ ياعبدالرحمن؟ أخرج وشارك هذاَ الشعور معنا نعلمُ أنكَ في الغربة، لكن لا مانعَ مِنّ أنْ تُعبرَ عنها هنَا في هذاَ الفضاءِ الأزرق الفسيح، سنقرأُ لكَ حتىَ وإنّ كُنا لا نُحبُ المقالاتِ الطويلة، لكنَ هذاَ الشعورّ ينبغي أنّ نقرأه كاملاً ونردُ عليه بباقاتِ وردٍ معطرةٍ ورسالة فخراً بك.

أتىَ هذاَ العامُ وفيهِ مسودةُ الرهانِ الأول، أتىَ وفي جعبتي شهادةُ الإجازة في شعبةِ العلومِ السياسيةِ والعلاقاتّ الدولية، من الجامعةِ التي اخترتُها وأناَ على علمٍ بأنَ الله سيمنحني هذاَ الشعور الذي أعبرُ عنهُ الآن أمامكم أيها الأحبة.

لكنني لمْ أشاركهُ معكم في حينه، لأنَّ الرهانَ الأولّ مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالرهانِ الثاني، وهوَ الحصولُ على مقعدٍ جامعيٍ في سلكِ الماجستير ، ولهذاَ الرهانِ امتحانٌ لم يكن بالهيّن، لكننيِ تسلَّحتُ لهُ جيداً وطورتُ من منهجيتي المُتّبعةِ لكيّ تُلائمَ هذاَ المضمار.
غمارُ الماجستير في المغربِ يحملُ عنوانًا عريضًا وهو “مبدأُ تكافؤ الفرص”، ولكيِ تُحوزَ على مقعدِ ماستر في كلياتِ المغرب وأنتَ تحملِ شهادة ً مغربية، في سلكِ الإجازةِ عليكَ أن تَخُوضَ غمارَ مبدأِ تكافؤ الفرص عن طريقِ إمتحانٍ كتابيٍ يليه شفوي، هذاَ الامتحان بينكَ وبينَ قائمةٍ طويلةٍ من المترشحين، لهذا أو ذاك الماستر .

وهناَ تذكرتُ قولَ صديقي الباشمهندس حسام م.حسام حسين حسين حين قال بأنَّ “قرارَ وزيرِ التعليمِ العاليّ المغربي فيه نوعٌ من الجمال، حيثُ يُتيحُ لكَ فرصةً لإثباتِ ذاتِك، كأجنبيٍ رأيتُ كيفَ تسيرُ المسطرة القانونية لنا كأجانبِ مثلِ أبناء البلد”، ففي السَابقِ كانَ للأجنبيِّ مسطرةٌ خاصةٌ، أماَ الآن وبعدَ قرار الوزير، فالمبدأُ السالفُ الذكرِ هوَ الذيِ سَيسَريِ عليّ.
صوّبتُ هدفي لأولِ ماسترٍ فُتحَ في المغربّ والذيِ يحملُ اسم “الدراسات الدولية والاستراتيجية والأمنية”، هذاَ التخصصُ الذيِ سيفتحُ لي آفاقًا كبيرة، لما لهُ من مجالاتٍ جديدة، تسيرُ وفقَ الأهدافِ المرسومة.
فللهِ الحمدُ والمنة، خُضتُ غمارَ الامتحانِ الكتابي، وكُتبَ لنا القبول، أتىَ الشفوي ووقفتُ أمام اللجنة، نعم أمام َاللجنةِ التيِ تتكونُ من نخبةٍ قانونيةٍ مغربيةٍ. بدَأتِ الأسئلةُ تنهالُ عليّ، لكن العبدُ الفقيرُ إلى الله، كانَ قد استعدَّ بقوةٍ معتمداً على اللهِ ثمَ على دعاءِ الوالدين، وتشجيعِ الزملاءِ الأعزاء، الذينَ كانوا بمثابةِ جمهورٍ يهتفِ قائلاً “ستفعلُها ياعبدالرحمن”.
وبفضلهِ سبحانهُ وتعالى، خرجتُ منتصراً متوجاً ومتمسكاً بمقعدي كطفلٍ يُناتِعُ أخاهُ لينتزعَ لعبته الصغيرة.
نعم خرجتُ وقد حققتُ الرهانَ الأول، ونسيرُ في الثاني وفقَ برنامجٍ محكمِ التخطيطِ ومحددِ الأهداف.
في الصورةِ الأولىَ أقفُ بجانبِ هرم كليتنا العتيدة السيد العميد/ فريد الباشا وهو يباركُ ويَعّودُ بنا إلى البداياتِ الأولىَ في الكلية، وكذا أ/ حسن الزويري نائب كليتنا، والكاتب العام أ/ عبدالوهاب الفكيكي .
أما عن الثانية فهيَ قائمةُ المقبولينَ في سلكِ الماستر ويتربعُ سمي مقدمتهم.

فلله الحمدُ أولاً وآخراً

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version