تقديم: عادل الأحمدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
سيظلُّ كلُّ إنجاز ينجزهُ اليمنيون مهدداً بالخطر، وستظل كل محاولة للنهوض مهددةً بالفشل، ما لم يكن ذلك الإنجاز نابعاً من قراءة فاحصة لخصائص الذات اليمنية وعوامل نهوضها ونقاط قوتها وضعفها، وهو ما لا يتم إلا عن طريق العودة إلى قراءة تاريخ اليمن الذي يفصح عن أن الذات اليمنية ذاتٌ عبقريةٌ منتجةٌ ومبدعةٌ وحضاريةٌ ولكنها تعرضت منذ فترة ليست قصيرة، لحرب ضارية من عدوٍ وافدٍ مُقيمٍ يتوارث الخبث ويضمر الشر ويبدل ألوانه كالحرباء.
وبدون معرفة تاريخ إجرام هذا العدو وأساليبه في التضليل والغدر، لن نستطيع الوصول إلى تحليل معوقات النهوض واكتشاف مفاتيح العزة والكرامة، ذلك أن هذا العدو يعتمد على الخديعة والتضليل، الأمر الذي يستوجب في المقابل جهداً كبيراً في التوضيح والكشف والتعرية، والكتاب الذي بين أيدينا مصباح من مصابيح الكشف عن جرائم ذلك العدو وأساليبه.. يسلط الضوء عليه ويكشف جانباً من أسرار تأخر هذا الشعب الكريم الذي لم يتوقف نضاله ضد ذلك المشروع التدميري العقيم.
نعم.. لدينا في اليمن قاتل متسلسل يتجسدُ في مشروع الكهنوت السلالي الإمامي العنصري الطائفي الذي ثار عليه اليمنيون مراراً آخرها ثورة ال٢٦ من سبتمبر الخالدة التي نحتفل اليوم بعيدها الستين.
ولنا أن نختصر الحديث بسؤال بسيط: كيف سيكون الحال في وجود عصابة غدرت بشعب كريم وأرادت طمس تاريخه وغمط رموزه وقامت بنهب أقواته وتزوير دينه وتدمير دنياه، وفوق ذلك أرادت استعباده في أرضه واعتبرت أن تسليمه لها بذلك نوعٌ من القربات إلى الله سبحانه وتعالى عما يصفون!
كيف سيكون حال شعب يتعرض لحرب مستطيرة من حركة وثنية باطنية عنصرية كهنوتية شريرة تخادعه باسم الدين وتمارس عليه كافة أشكال اللصوصية والسحت والإرهاب..؟
الجواب بالتأكيد مكوّن من شقين أحدهما كامن في ثنايا التاريخ وقد حوى هذا الكتاب القيم جانباً كبيراً منه، والشق الثاني واضح فيما نراه ونشاهده اليوم منذ المجازفة الكهنوتية الأخيرة التي أطلت برأسها في صيف العام ٢٠٠٤، عن طريق التمرد السلالي المدعوم من النظام الثيوقراطي في طهران.
و”الكهنة” هو التوصيف الأنسب لرموز الإجرام السلالي الذين لبسوا عمائم الزهد وراكموا تاريخا أسود في حق هذا الشعب، علينا أن نكشفه لأجيالنا حتى لا تتكرر المأساة. ومن هنا كان عنوان هذا الكتاب الذي يعدُّ تعويذة يمنية تتفكك معها طلاسم الكهانة.
لم تكن الإمامة السلالية في اليمن مشروع حكم بل مشروعَ تحَكُّمٍ واستبدادٍ وهدمٍ وتجهيلٍ وإفقارٍ وإرهابٍ وعنصرية.. ولم تصل الإمامة في أحسن حالاتها حتى إلى أبسط حالات الدولة، بل كانت مشروع هدم ودمار.. ولا شك أن أي مشروع قائم على الزيف واللصوصية والخديعة سيعمَد إلى التفنن في التضليل والكذب لكي يظل على قيد الحياة.. ولأنّ الكهانة هي أعلى مراتب الدجل والتضليل فإن مهمة الباحثين الأحرار كبيرة في الكشف المتواصل عن ذلك التاريخ الأسود وفضح أساليبه الخادعة حتى لا تتسلل أفاعي الكهانة مجدداً من بين شقوق النسيان وتبثّ سمومها أملاً منها في اغتيال اليمن التائق للعزة والحضور.
نقرأ الإمامة الكهنوتية بشكل صحيح عندما نضعها في مكانها الصحيح الذي وضعت فيه نفسها: عدو لليمن، ومشروع متورد مناقض لكل عوامل العزة والكرامة، ومضاد لعقيدة الإسلام الصحيحة وهوية الشعب الأصيلة.. ومهم أن نوضح للقارئ الكريم أن هذا التاريخ الأسود المسرود في هذا الكتاب، ليس فيه أدنى مبالغة، فأغلبه جرائم منقولة من كتب مؤرخي الكهنة أنفسهم قاموا هم بسردها على سبيل التفاخر وتوثيقها كانتصارات! لقد وصل إجرام هؤلاء الكهنة حدّاً لا يمكن لغير اليمنيين تصوُّره، ويمكن استشفاف مدى ذلك الدمار من أبيات خالدة لأبي الأحرار محمد محمود الزبيري رحمه الله حيث يقول:
نثروا بأنحاءِ البلادِ ودمّروا
عمرانَها فكأنّهم ألغامُ
أكلوا لُبابَ الأرضِ واختصُّوا بها
وذوو الخصاصةِ واقفونَ صيامُ
وكأنهم هم أوجدوا الدنيا وفي
أيديهمُ تتحركُ الأجرامُ
هَبْ أنهم خلقوا العبادَ فهل لمن
خلقوهُ عطفٌ عندهم وذِمامُ؟!
لكن، ونحن نستعرض ذلك التاريخ الأسود، مهم أن نؤكد في المقابل أن ذلك المشروع الكهنوتي العدائي وإن ظل متصلاً بصورة أو بأخرى، منذ ما يزيد عن ألف عام، إلا أنه لم يكتب له البقاء سوى في فترات متقطعة وعلى مساحة محدودة من تراب اليمن وذلك بسبب عقمه الذاتي، وكذلك بفضل نضالات الشعب التي لم تتوقف.. غير أن الإرادة اليوم لدى أقيال وإكليلات اليمن قوية لقطع اتصال ذلك الإجرام وقطع دابره بحيث تكون هذه الجولة فارقة وحاسمة.. ولعل من دلائل هذه العزيمة أن نجد اليوم باحثات نجيبات يتخصصن في قراءة التاريخ ويوثقن الحقائق للأجيال بعد أن كان هذا المجال حكراً على الرجال لحقب طويلة. من هنا حقّ لنا أن نحتفي بهذا الكتاب لأكثر من سبب:
أولاً لموضوعه الهام الذي تستوجبه معركتنا الفكرية ضد الكهنوت الوثني في نسخته الجديدة، والأخيرة.
وثانياً لأنه يعدُّ الكتاب الأول من نوعه الذي يصدر ممهوراً بتوقيع كاتبة مُلهَمة هي الباحثة القديرة د. لمياء الكندي التي سطع نجمها في فترة يسيرة بسبب كتاباتها القوية ودراساتها الهامة في منابر النشر ومراكز الدراسات والبحوث. والحقيقة أن تلك الكتابات لا تنبع إلا من ذهنٍ نابضٍ بالإحساس العالي بالكرامة والانتماء القوي للحرية والحب الكبير لليمن، وهذا هو حال الباحثة القديرة لمياء الكندي التي تحذو في باكورة إصداراتها حذوَ آبائها الكبار الحسن الهمداني ونشوان الحميري ومحمد محمود الزبيري ومحمد بن علي الأكوع الحوالي وعبدالعزيز المقالح وغيرهم من القامات الوطنية الوضّاءة، وحقّ لهم أن يفخروا بهذه الباحثة الصاعدة التي سيعرفها كل يمني، كما يحقّ لكلّ إكليلات اليمن أن يفخرن بها وبإصدارها ذي الأهمية المحورية في حاضر اليمن ومستقبله.
الشكر للباحثة القديرة لمياء الكندي سائلين الله لها دوام التوفيق، والشكر واجب أيضا للأستاذ يحيى الجماعي رئيس منتدى معد القومي والأستاذ عمار التام رئيس مؤسسة جذور للفكر والثقافة، ولكلّ من أسهم في إخراج هذا الجهد البحثي المتميز إلى حيز الوجود. والله ولي التوفيق.
9 سبتمبر 2022