عادل الأحمدي
هذه القصاصة هي مقدمة لأول تناولة صحفية كتبتها من داخل صعدة حول تمرد جماعة الحوثي، منشورة بتاريخ ١٨ يوليو ٢٠٠٤، في صحيفة “الثقافية” الصادرة في تعز.
أعود لقراءة تلك المادة الصحفية بعد ١٨ عاما من تاريخ نشرها، لأجد مقدار الفارق في الرؤية والذي تطور شيئاً فشيئاً بفعل المطالعة والقراءة ومواكبة الأحداث واستكشاف الحقائق.
الشاهد أن فهم المعضلة السلالية لم يهبط دفعة واحدة، بل كان سلسلة متتابعة من الاكتشافات.. بعضها متعلق بفهم جوهر المعضلة التي يتشابك فيها السياسي بالديني بالاجتماعي بالتاريخي.. وبعضها متعلق بطريقة التعبير عنها ليكون التعبير خالياً من الثغرات ومتجنِّباً الوقوع في الفخاخ.. وما أكثرها.
وكما يقال: الكتابةُ فِعلُ اكتشاف.. أي أنك كلما كتبت عن موضوع ما ستجد نفسك تكتشف حوله الجديد كل يوم.. وستضطر للمزيد من القراءة والاطلاع إلى أن تجد نفسك ممسكاً بتلابيب القضية وبكل الأجوبة الرئيسية الخاصة بها.
بعد عامين من هذه التناولة صدر كتاب “الزهر والحجر”، أول دراسة خاصة بالمعضلة، مدعّمة بالحقائق والوثائق والقراءة الوافية الأمينة.. ولقد ظن العديدون يومها أن في الكتاب مبالغة، ثم جاءت السنوات والأحداث لتثبت كل ما حذرت منه في ثنايا الكتاب.
اليوم، وبعد ١٨ عاما من البحث والتدقيق في هذه المعضلة التي دمرت الأخضر واليابس، أشعر بشيء من الشفقة على من يظن أن السلام قد يأتي عبر طاولة تفاوض مع هذه الجماعة، أو بجهود وضغوط أممية.
هذه ليست خلاصة ١٨ عاما من البحث، بل خلاصة ألف ومئتي عام من المأساة.
السلام والحوثية نقيضان لا يجتمعان.. واليمن والحوثية ضدان لا يلتئمان. ولا سلام إلا بكسر ونزع مسبب الحرب، ولا كسر لمسبب الحرب إلا بفهم كامل لتركيبته ونوازعه وطرق تفكيره وأساليب خداعه.. وإرادة صادقة في تخليص اليمن والمنطقة من شروره ومآسيه.