بقلم: د. محمد عوض هرورة
حينما يتحدث نشطاء الحزب الإشتراكي اليمني، عن الدولة وبناء الدولة، فإن حديثهم يكون باعثآ على التندر، والسخرية، وفي أحيان كثيرة مدعاة للبكاء.
فهم يتحدثون عن بناء الدولة بلغة «ميكافيللي» – وعن تماسك ووحدة الدولة بلغة «بسمارك» – وعن تراكم الثروات بلغة «أدم اسميث» – وعن العدالة الإجتماعية بلغة «ماركس» – وعن تطوير المجتمع بلغة «ماكس فيبر» – وعن الحداثة بلغة «أرغن هابر ماس» – وعن الإنسان بلغة «ليفي شتراوس» – وعن سيادة القانون بلغة «مانديلا» – وعن التسامح بلغة «غاندي» – وعن النقاء الثوري بلغة «جيفارا» – وعن الديمقراطية بلغة «سلفادور الليندي» – وعن القوة بلغة «جوزيف ستالين» – وعن الحرية بلغة «حنة أرندت» – وعن الحكمة بلغة «ماو تسي تونغ» – وعن نظافة اليد بلغة «جمال عبد الناصر» – وعن الحفاظ على الإستقلال بلغة «هوشي منه» – وعن الهوية بلغة «روروتي» – وعن الكفاية الإقتصادية بلغة «تشافيز».
ولكنهم مع أول إختبار مع الحكم, وإدارة الدولة كشفت عوراتهم وظهرت تناقضاتهم, وأبدوا عجزهم في التوفيق بين الأقوال, والأفعال أي بين الشعارات التي رفعوها و الممارسة العملية.
فلم يبنوا دولة, وما بنوه نظام منغلق على نفسه, وما يروه خارج الحدود إلا إشباح .. وكما فشلوا في بناء الدولة, فقد لا حقهم الفشل إلى عمق النظام, فلم يستطيعوا الحفاظ على تماسك هيكل ووحدة النظام, بل كرسوا لممارسات جهوية, وفئوية تتنافس فيما بينها, وتحت مسميات مختلفة (اليمين الإنتهازي, اليسار المغامر, الطغمة, والزمرة ….الخ المسميات.
أما ما يخص التراكم في الثروات, فلم يستطيعوا الإستفادة من الكم الهائل من الثروات القابعة في باطن الأرض, ومنها النفط والغاز, وباقي الثروات الأخرى, بل وصل العجز إلى عدم القدرة على استثمار الثروات على سطح الأرض مثل الثروة السمكية,والموقع الجغرافي.
أما بخصوص العدالة الإجتماعية, وهي الواجهة, والمدخل إلى عمق الأزمة, بإعتبار أن تحقيق العدالة الإجتماعية, والمساواة في توزيع الثروة, وتحقيق الرفاه الإقتصادي كهدف أسمى للإشتراكية, فقد بقت حلم مؤجل, لأنه لم يكن هناك ثروة حتى يتم توزيعها, بل لقد استعاض الحزب عن المساواة بالرفاة بين الناس, بالمساواة بالفقر, حيث نجح الحزب في توزيع الفقر على الجميع.
لقد نجح الحزب في شيئ واحد, على إبقاء البلاد في الزمن الذي تسلم فيه الحكم من بريطانيا, فلم يحدث فيها أي تطوير, أو تحديث .. أما الإنسان فقد بقى ذاك الإنسان المقموع, والخاضع لسلطة تفكر بالنيابة عنه, وتحدد له ماذا يأكل, وكيف يلبس, وتحدد له من يمثله.
مالا يستطيع نكرانه أحد, كان هناك قانون فاعل في القضايا الشخصية, والمدنية, وهناك نقاء ثوري إلى درجة السذاجة, لكنهم لا يتصفون بأي نوع من الحكمة, بل مجموعة من المغامرين, الذين لا يضعون أي إعتبار لعواقب تصرفاتهم.
قد يقول قائل أن قيادة الحزب لم تلوث يدها بالمال العام, ولم تتلوث بالفساد, وهذا صحيح, ويحسب لها, ولكنه لم يكن هناك ما يمكن سرقته وبمختصر العبارة لقد ظلموا أنفسهم, وظلموا الشعب معهم.
كل تلك الإخفاقات جعلت الحزب يشعر في أعماق نفسه أن مردها إلى خللآ في الهوية, وأن هناك ما هو مفقود في الهوية التي ينتمي إليها , وأن عليه استكمال هذا المفقود.
لجاء إلى إنتاج خطاب هووي لإستكمال ما يحس به من نقص في إركولوجيا وعيه المطمور في حفريات المعرفة, وفي أعماق التاريخ, عن جغرافيا منسية, كانت لها صلة بالجغرافيا التي ينتمي إليها, فأهداه وعيه الشقي إلى رقعة جغرافية كانت على علاقة ما منذ العصر ما قبل الجليدي بجغرافيته, فصرخ كما صرخ أرشميدس ذات يوم عند اكتشافه لقانون الطوق(وجدتها).
أحس أن الهوية التي أوصله إليها خياله المريض هي جسر العبور إلى الزهو بالإنتماء الجديد , فكان كالقرد الذي حاول تقليد الغزال في مشية ولم يجيد التقليد , ونسى مشيته الأولى.
بالطبع قرر العبور على المنحدر, وسلم إدارة الدولة لغيره, بل وتنازل عن هويته الأولى, ولم يستطع الإنسجام مع هويته الجديدة فقرر الإنتحار للتخلص من حالة الصراع داخل الهويات المتناقضة, لكن بعد أن قدم شعب بالكامل قربانآ لخيالات مريضة.
ينطبق عليهم قول الشاعر :
أضاع الخلافة غش الوزير
وفسق الآمير وجهل المشير
لواط الخليفة أعجوبة
وأعجب منه خلاق الوزير
فهذا يدوس وهذا يداس
وذاك لعمري خلاف الإمور.