اعتراض على حافظ قران

سام الغباري

كأن بين البعض وكتاب الله سبحانه حنق قديم، يثيرهم أن يروا أناسًا يحفظونه عن ظهر قلب، ويستدلون بالقراء الذين كانوا مع “علي” فأوشك على ابادتهم في معركة النهروان غير المبررة، ثم اصبحوا في عين التاريخ خوارجًا لا حق لهم في رواية جانبهم الممنوع من القصة السوداء .

يسخر كاتبًا : لا نريد حُفاظًا، بل أناس يفهمون ما يحفظون !, وهذا رأي طيب، لكن أولًا من قال لك أنهم لم يفهموه أو يتدبروه، ولماذا تفترض سوء النية ولا تحسن الظن بالآخرين، ومن أنت يا أفندي حتى تحاكمهم وتتفقه عليهم وأنت تكتب لكن هكذا بـ لاكن

فليفهموا، أو يحفظوا، أو يدّعوا الحفظ، هذا ليس شأنك، ولا شأني، وإن كان لك رأي فيهم، وأردت أن تكتبه، فأرجوك لا تقتحم وعي الناس وإدراكهم وكأنك كنت عليهم رقيبا .

ليست مشكلة اليمن اليوم، ولا حلها فيمن يحفظ القرآن، بل في الدولة التي لم تكن موجودة أصلًا، في وعي الناس الذين لم يتخلوا عن فلسفة العنف، وفضّلوا استخدام اياديهم واسلحتهم في حل نزاعاتهم بدلًا عن الذهاب إلى قسم الشرطة .

مصيبة اليمن في ثقافة الفيد، جني المال دون النظر إلى مصدره، في “المجتمع” الذي يتقبل شيخًا قبليًا قذرًا وجاهلًا أنهى لتوه خطابًا غبيًا، فأكبروه وعززوه وعظموه، بينما يتأفف هذا المجتمع من الانصات لداعية مسالم جاء إلى مقيلهم لتذكيرهم ونصحهم وارشادهم بمآلات القتل والفسوق والعصيان .

جاء ليقول لهم أن الدم الذي يراق في اليمن لن يجعلها تنجو، ولن يجعل أهلها سعداء، لأن كل فريق منهم ادعى وصايته على كتاب الله، وعلى دينه، وعلى إيمان الناس

وهذا هو الخلل، عبدالملك الحوثي متخم حد الانفجار بنظرية أنه الوصي على الناس في دينهم ودنياهم، وشقيقه يحيى بدر الدين يقول لأصدقائه، أنه من بيت العلم، والقرآن نزل في بيتهم، ويمط شفتيه حتى يظهر جزء أصفر من أسنانه الأمامية، مضيفًا “القرآن حقنا” .

ولهذا، يغضبون ممن يحفظ القرآن، كيف يفعل ذلك وسيد الكهف لم يستطع، وأنت تردد وراءهم دون وعي صدى سخريتهم، احتجاجهم، بطريقتك، وتكرس أن الحفظ ممنوع، أو غير واجب، ومثير للتندر، ومادة للانتقاد .

ليس عليك أن تشق عقل حافظ للقرآن لتعرف هل فهم أم لا ؟ وكأنك مؤلف الكتاب، وصاحب هذا النص الإعجازي الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله .

علينا الاصغاء بفرح جميل لصوت عذب يردد آيات الله الجليلات، والتدبر، واكتشاف الجمال اللغوي، والقراءة المثلى عن سرائر الناس، وبطون النفاق، وطبائع البشر، وتقلباتهم، وأحكام الله ونواهيه .

أنا مؤلف بسيط، عندما أعلم أن أحدًا ما قرأ جزءً من كتبي، أو حتى صفحة واحدة، أطير فرحًا، ولا انساه، وأراني أتودد إليه بالرسائل، وأناقشه عمّا قرأ، ورأيه فيه. فكيف لو أني وجدت أحدًا يحفظ عن ظهر قلب كل ما كتبته

ماذا سأفعل ؟
سأمنحه حبًا استثنائيًا وتقديرًا فائقًا، وسخاء حقيقيًا ومودة لا تنقطع .

فإذا كان الذي حفظت كتابه هو الله سبحانه، فما جزاؤك عنده ؟ حين يسمعك تتلو آياته، تتدبر ما استطعت، تحاول الوصول إلى فهم جيد لمفردات ومعاني آياته الشريفة، كيف به جل جلاله وقد حفظت كتابه بين أضلعك، وفي وعيك، وادراكك، وجعلته نورًا تهتدي به .

هذا الجمال الروحي، نسحقه، لأننا نريد أن نغني !، ومن منعك يا صاح عن ذلك، غن وارقص، واكتب الشعر، وانثر الحب، وكن انسانًا طبيعيًا، واقرأ القرآن، فلا تظن يومًا أنك دون كتاب الله ستنجو، فكل ما تريده، كل شيء، ستجده هناك . فلا تجعله مهجورا .

ذات يوم قال احسان عبدالقدوس، في حوار اذاعي اجرته معه الفنانة العبقرية الراحلة أم كلثوم، عن سبب دعوته الشباب، وخصوصًا الاعلاميين لقراءة القرآن بصورة دائمة ؟

كان السؤال غريبًا، لأن من أطلق شرارته، كاتب شهير بأريحيته مثل احسان عبدالقدوس، الذي أجاب: أن اللغة وحدها في القرآن كفيلة بمعرفة هائلة من المفردات التي يحتاجها الإعلامي، كما يحتاجها المذيع لتحسين قدراته في تلاوة الأخبار على مسامع المشاهدين .

حتى في الإعلام، في احترافه، وإبداعه، وصوره، وحكاياته، تجد مرجعًا قرآنيًا لا فكاك منه

لذا، فتوجيه اللوم، وابداء الاستغراب، على حفاظ كتاب الله الكريم وكأنهم ارتكبوا إثمًا لتوهم، أمر مؤلم

يؤلمني أن نتدخل بوقاحة في حق الآخرين باختيار ما يشاؤون، سواء حفظوا القرآن، أو ديوان البردوني، لا شأن لنا في اختيارات الناس، يحفظ ما يريد، ويختار لحياته ما يشاء

أقول قولي هذا، وأعلمكم أن لي خمس سنوات أحاول حفظ سورة مريم كاملة، ولم استطع، فهنيئًا لمن حفظ القرآن كاملًا . وحتمًا سترشده آية واحدة على الأقل لفعل الصواب والعمل الصالح .

ودعوا الخلق للخالق .

وصباحكم سكر
#سام

تعليقات الفيس بوك
Exit mobile version