كسرت المصورة اليمنية الشابة أمة الرحمن العفوري، الصورة النمطية عن الفتاة الريفية في اليمن، وأثبتت أنها أقوى من العادات والأعراف والتقاليد الظالمة، وعصية في وجه الحرب، وقادرة أن تصنع النهضة والمجد لبلدها. فهي وطن مواز بحد ذاته لا تزال تناضل بقوة تتحدى الحصار وتبدع بلا حدود.
تهتم أمة الرحمن، بنشر الجانب الجميل عن اليمن تحت هاشتاغ #تجربة_سائح، مفيدة في حوارها مع “العربية.نت” أن التصوير بمثابة مصدر رزق أساسي لها، معتبرة أن الصورة أصدق رسالة تنقل الحرب ومخلفاتها دون كلمات. وقالت: “استطعت توظيف الصورة لخدمة العمل الإنساني، حيث أمارس التصوير للتعريف عن مقومات سياحية لا يعرفها كثيرون في البلد المنسي الذي لم يعد يزره سوى صوت المدافع ودخان الانفجارات”.
توثيق قصص إنسانية من مخيمات النزوح
أمة الرحمن هي إعلامية وناشطة في المجال الإنساني ورئيسة لمبادرة ترابط التنموية ومصورة مستقلة، استثمرت عدستها على مدار 5 سنوات في توثيق قصص وحالات إنسانية من مخيمات النزوح، ملتقطة صوراً تجسد أوضاع البلد الجاثم تحت القصف منذ 8 سنوات.
وتعد أمة الرحمن أول فتاة على مستوى مديريتها “ماوية” تلتحق بكلية الآداب قسم الإعلام في جامعة عدن، ومن عدن طورت نفسها منطلقة للمشاركة في ورش وملتقيات وندوات على المستوى المحلي والدولي. فأسست أمة الرحمن، مبادرة “ترابط التنموية” عملت من خلالها بشكل أساسي على تدريب النساء وتمكينهن اقتصادياً، فحققت مبادرتها الفوز عام 2020 في ملتقى المبادرات الإنسانية على مستوى الوطن العربي. لتنطلق بعدها في ركب العمل التطوعي والإنساني، وعملت مسؤولة إعلامية لدى مؤسسات ميدانية مثل مبادرة لجنة التنمية المحلى لمديرية دار سعد، ومبادرة اتحاد شبيبة عدن، استطاعت من خلالها توثيق مبادرات وبرامج خيرية وفعاليات مجتمعية عكست روح التعايش والسلام.
معاناة المصور خلف العدسة
واعتبرت أمة الرحمن أن التصوير ليس مجرد ضغط زر فقط، موضحة أن المصور يعاني كثيراً خلف عدسة الكاميرا، وخلف كل صورة هناك معاناة حقيقية، وهذا بالطبع يؤثر نفسياً على المصور، كما أن للتصوير أخلاقيات، لابد من الالتزام بها عند نقل الرسالة إلى الناس.
وتقول أمة الرحمن: “كنت مهتمة بالتصوير الإنساني، أي توثيق الحالات الإنسانية بالصور ونشرها على سوشيال ميديا، لكنني حالياً أعطي اهتمامي أكثر للتصوير السياحي، وذلك من خلال تصوير الأماكن السياحية الجميلة والملابس التقليدية الثراثية بحيث أنقل انطباعاً جميلاً عن بلادنا، حتى لا تكون صوري ذات طابع إنساني بحت، تعكس فقط جانب المعاناة لشعبنا الحزين”.
ولأمة الرحمن مبادرات مجتمعية وإنسانية في مجال التصوير، موضحة: “انطلاقتي كانت في العام 2015 في العمل الإنساني، ثم احترفت التصوير عام 2017، فقررت توظيف المهنة بشكل تطوعي لصالح مبادرات شبابية بالتعاون مع مؤسسات خيرية محلية، وبعدها بدأت العمل على توثيق بعض المشاريع مع منظمات دولية بمقابل مادي، وتضيف: “لا أتوانى عن تلبية أي نداء للعمل الخيري سواء بالتصوير أو بتسليط الضوء إعلامياً على الحالات الإنسانية أو بجلب المساعدات لها، كون العمل الانساني هو غايتي الأسمى”.
نقل معاناة اليمنيين إلى العالم بلقطة
تسعى أمة الرحمن إلى نقل صور عن اليمن لمخاطبة ضمير العالم، فتقول: “الرسالة التي أريد نقلها عن اليمن إلى العالم ذات جانبين الجانب الأول إنساني والثاني سياحي، فالجانب الإنساني أولا لأن مبدئي بالحياة الانسانية قبل العمل، ولأن اليمن في وضع حرب، والناس تعيش حياة صعبة، أحاول عبر عدستي مساعدة الكثير من الأسر والتعريف بمعاناتها بصورة أو مقطع فيديو، للتغبير عن أحوال المواطن اليمني ووضعه المادي الصعب”.
وتلفت أمة الرحمن: “صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس المشهد الحقيقي للوضع الإنساني في اليمن، وأحاول جاهدة إلقاء الضوء على المعاناة التي لحقت بشعبنا رغم حجم المساعدات التي تدخل لليمن ولا يصل منها للمواطن المسكين إلا القليل”.
إشراقة سياحية عن حضارة بلد عريق
وفي سياق الحديث عن الجانب السياحي، توضح: “أسعى الى تقديم صورة مشرقة عن اليمن كبلد يملك مقومات ثقافية وتراثية وتاريخية عريقة، أحاول نقل صور أماكن الجذب وحياة الشارع والمناظر الجميلة، كونها تعطي انطباعاً حقيقياً عن بلد رغم الحرب والدمار والمجاعة والوضع الصعب إلا إنه يقاوم من أجل أن ينفض غبار الحزن، ويزيل كل ما شوهته الحرب خلال 8 سنوات”.
على الرغم من الحصار والفقر والظروف، إلا أن أمة الرحمن وقفت بصلابة في وجه الحرب رغم الظروف القاسية والموانع الكثيرة التي برزت أمامها، فقد تعايشت معها وحققت الكثير لوطنها الجريح. وأشارت إلى أن الصعوبة الحقيقية تكمن في ثقافة مجتمعها الريفي، لاسيما القرية التي تعيش فيها، توضح: “هناك المجتمع والناس لا ينظرون للفتاة إلا بمنظار واحد، وهو أنها لا تصلح إلا ربة بيت فقط، لا يعيرون لما تحمله من طموح أو مشروع مستقبلي أي اهتمام، هذا هو العائق الكبير أمامي والأكبر من ظروف الحرب نفسها”.